في الحوار التالي يحاول رجل الأعمال الشهير والناجح عبد الجواد العلمي رئيس المجلس القروي لآيت سيبرن ورئيس جمعية حنا معاك أن يلامس بجلاء مكامن الخلل ويضع اليد على المعيقات الحقيقية لتنمية وتأهيل إقليم الخميسات ، كما يسلط مساحة ضوء واسعة على واقع الإقليم من خلال تشريح دقيق لبنيته الاقتصادية وخريطته السياسية ومجتمعه المدني ليخلص بالنتيجة لوصفة تنموية شاملة ومتكاملة ترتكز على الاستثمار كرافعة للتنمية تتوخى تفكيك بنية الاشتغال الحالية للمساهمة المسؤولة في توفير العيش للمواطن الكريم خاصة حاملي الشواهد العليا عن طريق تأهيل الاقتصاد المحلي وفق معايير تشاركية ينخرط فيه رجل الأعمال، والسياسي، ورجل السلطة والمجتمع المدني وسائل ستمكن على المدى القريب والمتوسط إخراج الإقليم من بركة الفقر والهشاشة التي عاش ويعيش على إيقاعاتها الرتيبة منذ الاستقلال.
*بداية كيف تشخصون من خلال ارتباطكم بالإقليم لأكثر من ثلاث عقود واقعه العام ؟
للأسف إقليم الخميسات، إقليم متخلف على جميع المستويات (تجاريا، صناعيا،فلاحيا و تنمويا)، فكل أقاليم المملكة استفادت ومنذ الاستقلال من الأوراش التنموية والمشاريع الصناعية والاقتصادية الكبرى فيما ظل إقليمنا يشكل استثناءا صارخا مقارنة مع باقي المدن، فمنذ حلولي بهذا الإقليم العزيز ولأزيد من ثلاثة عقود ونصف لم يتغير حاله، فالحي الصناعي الوحيد الذي كان موجود حينها تم إغلاقه لأسباب مجهولة، فيما يعاني الحي الجديد عسرا في ولادته وظل جنينيا لأكثر من 12 سنة، هذه الأجواء كلها جعلت المواطن لا يثق في أية محاولة تنموية وأدخلته في حلقة مغلقة من اليأس والتذمر وحولته كإقليم للأكل والنوم، وهناك مسألة أساسية تتطلب التوقف عندها بجدية لأنها جدر الإشكال في العملية التنمية فساكنة الإقليم للأسف الشديد يولون اهتماما مبالغ فيه لرجال السلطة على حساب مسؤوليتهم في النهوض بالإقليم متناسين أن المسؤولين ليس من اختصاصهم البحث في سبل تنمية الإقليم بل السهر على استتباب الأمن وتطبيق القانون، فالسلطة لكي تساهم من موقعها الإداري بحاجة لمجتمع مدني فاعل ومبادر توفر له شروط العمل والانخراط في التنمية الشاملة وتدفعه إلى التعاطي الفوري والسلس. علما أن الإقليم يزخر بطاقات وكفاءات ونخب من مستوى متميز لكنه بسبب الاكراهات السياسية التاريخية رفعت يدها وتخلت عنه وتنكرت له بمسببات شتى، وكخلاصة فإقليم الخميسات لا زال ينظر إليه من زاوية المغرب غير النافع.
*تتوزع أسباب تخلف الإقليم ما بين السياسي والاقتصادي ما رأيكم في هذه المقاربة؟
الأحزاب السياسية أضرت بالإقليم أكثر مما نفعته، كونها تخلت عن أدوارها التأطيرية والتوعوية واختزلت مهامها في تحقيق أغراض انتخابية والبحث عن قاعدة انتخابية تخولها الظفر برئاسة المجالس الجماعية والبحث عن مقاعد برلمانية. كما يؤثر ضعف تأطير وتكوين المنتخبين على تسيير الشؤون اليومية للجماعات المحلية والقروية التي يسهرون على إدارتها.
كما شكل إغلاق مجموعة من المعامل بالحي الصناعي ضربة قوية للاقتصاد المحلي بسبب غياب الحوار وتعنت النقابات، فالعمل النقابي له حدوده التي تنتهي مع تعريض مصالح العمال للخطر والضياع، وللتاريخ فقد مارست العمل النقابي مع بداية ستينيات القرن الماضي داخل قطاع السككيين بنقابة الاتحاد المغربي للشغل وأدرك تمام الإدراك أهمية الحوار بين النقابات وممثلي الباطرونا وأتذكر هنا أن المغفور له محمد الخامس حضر في السنوات الأولى للاستقلال مسيرة فاتح ماي بالدار البيضاء مما يبرز الترابط القوي الذي يربط العرش بالشعب وهو ما شكل على الدوام مناعة ضد كل محاولة للتشويش على هذه الرابطة التي جعلت المغرب بمنأى عما يحدث بدول عربية عديدة في إطار الربيع الديمقراطي العربي ونحن الآن أكثر من أي وقت مضى بحاجة لمزيد من الالتحام .
بالإضافة لما سبق فغياب خط سككي بالإقليم وضعف بنيات استقبال الاستثمارات وانعدام الأحياء الصناعية عوامل اجتمعت لتكرس واقع العزلة والفقر والهشاشة الاجتماعية.
*بصفتكم رجل أعمال راكم خبرات عديدة هل لكم أن تقدموا مدخلات لتنمية الإقليم والخروج به من دائرة الفقر والتخلف ؟
**قال تعالى " لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وبالنسبة لي كرجل أعمال فالتنمية الاقتصادية أساس كل تقدم وازدهار إلى جانب التنمية الثقافية والفنية حتى تغدو تنمية شاملة متكاملة، دون أن ننسى ربط الاستثمار بالعطاء والعمل على تحسين مستوى عيش المواطنين وتأهيله ليصبح مواطنا صالحا فلا يمكن مطلقا أن نطالبه بواجباته إذا لم نمكنه من حقوقه فلا مجال للحديث عن المواطنة والواجبات في ظل الفقر المدقع فرسولنا الكريم ذهب لحد وصف الفقر بالكفر.
ويلعب تأهيل العنصر البشري دورا حاسما في التنمية المستدامة لأنه لا تنمية بدون موارد بشرية مؤهلة فكوريا والصين الشعبية وماليزيا على سبيل المثال كانت دولا جد عادية قبل 30سنة مضت لكنها عرفت ثورات اقتصادية بوأتها مراتب متقدمة على المستوى العالمي بفضل طاقاتها البشرية المحلية، والإقليم ولله الحمد يتوفر على كل مقومات النجاح والإقلاع الاقتصادي فنحن اليوم بحاجة لمواطنين من طينة الجيل الذي حقق الاستقلال وغلب المصلحة العامة للوطن على ما سواها.كما يجب الاهتمام الكبير بتشجيع الاستثمار رغم كل المعوقات والعمل يدا في يد من أجل تجاوزها وذلك عبر رسم خارطة طريق لتأهيل الإقليم على كل الأصعدة يتم خلالها وضعه على سكة التنمية في ظرف ينحصر بين 5 و 10 سنوات تأتي بعدها مرحلة لبناء الأوراش الاقتصادية الكبرى وذلك بانخراط كل الفاعلين والمتدخلين الاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين والجمعويين وترك الحسابات الضيقة جانبا.
وهنا أقترح مصاحبة كل عامل أو والي بمجلس اقتصادي اجتماعي ذو طبيعة استشارية وهو الأمر الذي ناديت به لأكثر من عقد من الزمن، يضم في عضويته حوالي 10 أعضاء من رجال الأعمال الناجحين ونخب وكفاءات محلية تجتمع مع المسؤول الأول بالإقليم بشكل دوري لتفعيل مضامين خارطة طريق تأهيل الإقليم وتنميته وتقييم الأعمال المنجزة ورصد مكامن الفشل والعمل على تجاوزها لخلق ثروة وغنى بالإقليم، وأتمنى أن يكون إقليمنا سباقا في هذا الباب. ولي اليقين التام أن تشجيع وجلب الاستثمار هو المدخل الوحيد والأساسي للنهوض بالإقليم وتحقيق ثروة وثورة اقتصادية به فالمستثمر كبئر النفط ينتج الغنى والثروة.
*هل بإمكان جلب الاستثمارات لانتشال الإقليم من واقع التهميش والفقر والقفز به لمصاف المدن الاقتصادية الكبرى؟
أولا استغل المناسبة لتقديم أغلى التهاني للسيدة مريم شقرون بنصالح على انتخابها بالإجماع كأول امرأة في المغرب والعالم العربي رئيسة للاتحاد العام لمقاولات المغرب (هيأة أرباب العمل) ، وعلى ذكر جلب الاستثمارات يجب أن نستغل فرصة فوز بنصالح لخدمة الإقليم، فالسيدة مريم أعرفها حق المعرفة أمرأة مثقفة متخلقة تجسد المفهوم الحقيقي للمواطنة الحقة أرى فيها بكل صراحة وزير أول نظرا لصلاحياتها الواسعة، ولا أرى في غيرها قادرا على جلب الاستثمارات لهذا الإقليم، فهي تمتلك علاقات نافذة وشبكة واسعة مع رجالات الأعمال عبر العالم وبإمكانها العطف على الإقليم الذي ترتبط به ارتباطا كبيرا وقادرة على تشجيع الاستثمار به والقفز به لمصاف المدن الكبيرة، فموقعنا الجغرافي مهم للغاية 80كلم عن مرسى القنيطرة و90 كلم عن عاصمة المملكة بالإضافة للموارد البشرية الهامة والمساحات الشاسعة الممتدة على تراب الإقليم كلها عوامل مشجعة على جلب الاستثمارات شريطة وجود مخاطب في المستوى الذي يقدرها ويقدر مسؤولياتها ومكانتها، ومن هذا المنبر الكريم أوجه ندائى لكل المتدخلين والفاعلين مدها بمخطط لتأهيل وتنمية الإقليم والعمل معها يدا في يد من أجل غد أفضل.
وإلى جانب جلب الاستثمارات يجب التسريع في إنشاء جامعة بالإقليم تخفيفا للأعباء والمصاريف الإضافية والمجانية التي تقع على كاهل أسر مأزومة أصلا جراء انتقال أبناءها للدراسة بجامعات المدن المجاورة وحفاظا على ارتباطهم بإقليمهم هذا الارتباط الذي يتآكل باستقرارهم وإكمال مشوار حياتهم بمد الدراسة، فموقع الإقليم الذي يضم أزيد من 34 جماعة وعدد ساكنته لم يعودا يسمحا بعدم وجود جامعة به.
*ما هي الشروط وبنيات الاستقبال التي ترونها كفيلة بجلب الاستثمارات وتشجيع المستثمرين؟
أولا لا بد من الإشارة لمسألة جوهرية ومؤسفة في الآن ذاته وهي كون جل المستثمرين وبدون استثناء يتفادون الاستثمار بهذا الإقليم ويعتبرون ذلك مغامرة وهو منطق يجب القطع معه بالعمل على توفير الشروط الكفيلة بتغيير هذه النظرة وذلك من خلال توفير بنيات استقبال المستثمرين والاستثمارات، وما نقصده بذلك إنشاء أحياء صناعية بمواصفات حديثة وهنا أقترح إقامة حي صناعي على الأقل بكل جماعة وتوكيل إدارته لجمعية خاصة به تدير كل أموره(تسيير ذاتي) من إنارة وبنيات تحتية وغيرها.
كما يجب النهوض بالبنيات التحتية والعمل على تطويرها وتأهيل العنصر البشري وتلقينه مبادئ التعامل مع العمل وحبه واحترامه وليس كيفية إنجازه فقط، هذا بالإضافة لضرورة ربط الإقليم بشبكة السكة الحديدية نظرا لموقعه الجغرافي المشجع على ذلك فلا تتصور تنمية ولا وجود لصناعة ثقيلة دون خط سككي، كما يجب على الدولة اعتماد الشباك الوحيد لتيسير المساطر والإجراءات القانونية الخاصة بالاستثمارات التي سيحضنها ويرعاها المجلس الاجتماعي والاقتصادي السالف الذكر حتى نضع حد لسلوكات بعض المسؤولين بمصالح مختلفة والمكلفين بملفات المستثمرين .
كلمة أخيرة :
أشكر الاخوة في المجال الاعلامي الذين اتاحوا لي فرصة تقديم تصوري حول تأهيل الإقليم وإسقاط صفة المغرب غير النافع التي لازمته لعقود عديدة كما أجدد قناعتي التامة والكاملة كون الاستثمار هو البوابة والمدخل الوحيد والأوحد لإنقاذ الإقليم من شبح العزلة والتهميش والفقر والهشاشة الذي بات يتهدده أكثر من أي وقت مضى.
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق